Abstract
استخدمت كلمة النظم في مجال الدراسات اللغوية بمعنى قريب من معناها اللغوي وهو التأليف، وضم شيء إلى شيء آخر، إذ النظم في الكلام هو تأليف الكلمات في جمل وتراكيب على أساس المعاني الوظيفية التي تؤديها في التركيب، وهي التي أطلق عليها اللغويون (معاني النحو) لأن علم النحو هو الذي تناولها بالبحث، ووضع لها أسماءها، كالفاعلية والمفعولية والظرفية والحالية وغيرها، فالكلام العربي نظم، أو تأليف، أو صياغة لكلمات على نسق معين بحسب مقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب، وهذا المفهوم للنظم متفق عليه بين علماء اللغة جميعاً، ولم يدّع أحد منهم وضع هذا المفهوم أو إطلاق هذا الاسم عليه، بل تحدثوا عنه بوصفه من الأمور البديهية المسلمة في كل لغات البشر، وهذه هي ظاهرة النظم، غير أن هناك مفهوماً آخر للنظم يدل على الأساليب المختلفة التي يعبر بها الأدباء والشعراء عن أفكارهم ومشاعرهم، يمكن أن يسمى (فن النظم) أما قواعد وأصول الكلام البليغ، فيمكن أن نطلق عليها (علم النظم) وهو بهذا المفهوم علم البلاغة، وهذه المفاهيم الثلاثة لا ترقى إلى مستوى نظرية تختص بها اللغة العربية أو علم من علومها، كما يحلو لكثير من الدارسين المحدثين أن يسموه أو يصفوه، ولا مسوّغ للقول بأن الشيخ عبد القاهر الجرجاني – رحمه الله – هو الذي أبدع هذه النظرية، أو أعطى لها مفهوماً مغايراً لما تعارف عليه من سبقوه، أو أنه جعل النظم عنواناً لما عرف فيما بعد باسم علم المعاني. وكل ما في الأمر أن الشيخ الجرجاني طرح بعض الأفكار التي انفرد بها في تفسير وشرح النظم، وهذه الأفكار التي قال بها عدد من الباحثين المعاصرين لها أسبابها وبواعثها، وهي تتلخص – من وجهة نظري – في النقاط الآتية: 1. الخلط بين فكرة النظم في الكلام ، ونظرية النظم التي فسر بها العلماء إعجاز القرآن الكريم، فقد ذهب الباحثون في أسباب الإعجاز القرآني وأسراره مذاهب شتى، وأرجح مذاهبهم أن القرآن إنما كان معجزاً بنظمه، وشاع استخدام نظرية النظم بوصفها إحدى النظريات التي فسر بها العلماء أسباب الإعجاز القرآني، واستخدام هذه العبارة لا يعني إثبات وصف (النظرية) للنظم في ذاته، كما لا توصف (الصرفة) بمعنى أن الله عز وجل صرف قوماً أو فئة من الناس عن أمر ما بقدرته ، بأنها نظرية، وإنما وُصفا بذلك حين فُسّر بهما عجز العرب عن معارضة القرآن . 2. من المعروف أن نظم الكلام يختلف بحسب المقام ومقتضى الحال، ويتفاوت الكلام في مستوى البلاغة والإجادة، بناء على ذلك، وأعلى مراتبه الإعجاز الذي اختُصّ به نظم القرآن، وقد حاول علماء البلاغة أن يستنبطوا منه قواعد للكلام البليغ، وما جواهر البلاغة إلا من مغانم غوص العلماء في بحار النص القرآني، وللإمام الجرجاني في ذلك حظ وافر، وقد أكد في غير موضع من الدلائل على أن النظم في حد ذاته لا يقتضي التفاوت، ولا تترتب عليه مزية، وإنما المزية في مطابقة نظم الكلام لمقتضى الحال، مما يدعونا إلى التفرقة بين فكرة النظم القائمة على معاني النحو، وفكرة المقام التي قام عليها حد البلاغة، وعدم التدقيق في كلام الشيخ الجرجاني في دلائل الإعجاز أوقع في وهم البعض أن له مفهوماً للنظم مغايراً لغيره من العلماء السابقين، ولعل كثرة تكراره لهذه الكلمة في مواضع متعددة عززت مثل هذا الوهم، ولا ينكر أن الجرجاني انفرد ببعض الأفكار في سياق شرحه المستفيض لفكرة النظم، منها قوله بأن المتكلم يتوخى معاني النحو في نظم الكلام، وأن الكلام تترتب معانيه في النفس، وهي التي تختار لنفسها الألفاظ المناسبة لها، والمتكلم لا يطلب اللفظ بحال، وإنما يطلب المعنى، وهي فكرة كلامية جعلها الجرجاني محوراً أساسياً لكتابه (دلائل الإعجاز) وقد ناقش البحث هذه الأفكار، وعدها نقاط ضعف في فكر الجرجاني اللغوي، والبلاغي. 3. وثمة سبب آخر يعزى إلى مقاربات غير دقيقة لدى بعض الدارسين المعاصرين المغرمين بالنظريات الغربية الحديثة في مجال الدراسات اللغوية، بين بعض الأفكار التي طرحها الشيخ عبد القاهر الجرجاني وبعض تلك النظريات، وما احتفاؤهم بجهود الشيخ الجرجاني إلا تعبير عن إعجابهم وتأثرهم بالنظريات الغربية، يقابله تجاهل مقصود للجهود الضخمة والإنجازات الكبيرة لعلماء العربية، واختزال لها في مساحات ضيقة .Composing has been used in linguistic studies, closely referring to its linguistic meaning: writing, and joining something to another. Composing in speech is arranging words in sentences and structures based on the functional meanings by such structures. Such structures are called meanings of syntax by the linguists as syntax is the field where such structures are examined and named, like subjective, objective adverbial and other cases. Arabic speech is composing, writing or forming words in accordance with a certain pattern based on standards derived from inducing Arab speech. This concept of composing is agreed upon by the all the linguists, and none of them claimed the creation of this concept, but all of them deal with it as one of principle notions in all languages. It is not a theory of Arabic language, as some of the modern scholars claim, and there is no reason to say that Sheik Abdul Qahir Al Jurjani –may mercy of Allah be upon him– found this theory, gave it a different concept, or make composing a title for what is later known as semantics. These ideas claimed by modern scholars have their own reasons and could be –in my view– summarized as follows: 1. The merge of the concept of composing in speech and theory of composing which scholars use to explain the Quranic miracle. Scholars varied in explaining reasons of Quranic miracle and they stated that Quran was a miracle in composing. Theory of composing was familiar as one of the theories used by the scholars to explain Quranic miracle. Using this phrase does not mean the confirmation of describing the theory of composing itself, but rather 2. It is well known that speech composing is different in accordance with context of situation and speech is, thus, rhetorically and fluently different. Rhetoricians have tried to derive rules of fluent speech from the Holy Quran, as Quran has the highest ranks of fluent, rhetorically speech. Al Jurjani's Jewels of Rhetoric is one of the examples for studying Quranic rhetoric for this purpose. He stated that composing is not restricted to variance and this is not a characteristic. However, the characteristic lies in speech agreement with context of situation and this makes us differentiate between the concept of patterns based on syntactic meanings and concept of context that rhetoric is based on. Not fully understanding Al Jurjani views make some falsely think that he has adopted a concept different from other scholars, and his repetition for such word in many positions supported such beliefs. 3. The inaccurate comparisons by some modern scholars, highly affected by modern western linguistic theories, of Al Jurjani concepts and such theories. Their admission of Sheik Al Jurjani's efforts indicate their admiration and their affect by western theories is faced by a deliberate ignorance of the vast efforts of Arab scholars.